Thursday, January 13, 2011

شهادة ميلاد قديمة للمواطنة .. في حضرة تاريخ مصر


*
شهادة ميلاد قديمة للمـواطنــة
في حضرة تاريخ مصــر ..
*

أمــام التاريخ ، نحن ابناء مصــر جميعاً .. متهمــون !
لاسيما بعد أحداثٍ قد توالت فى الفترات الأخيرة الماضية في وطننا ، وصلت بنا حتي الآن إلي دماء ليلة الكريسماس (31 / 12 / 2010م ) التي شقت قلب أرض مصر فأوجعت بشدة كل قلوب المصريين الوطنيين .

بعد الكارثة بدأنا نردد بلهفة ٍ كلمات " الوطن " " المواطنة " " الوحدة الوطنية " بكل الصور والطرق فى وسائل الاعـلام شتي ، والصحف ، المدارس ، الجامعات ، الندوات ، حتي حكاوي المقاهي ، وتعجبت حقيقة ً من بعض المسلمين الذين حاول كل منهم أن يفتش فى ذاكرته عن صديق مسيحي أو جار ٍ أو مدرس أو زميل أو حتي أي موقفٍ عابر جمعه بمسيحي لكي يلقي عليه الاحسان والمديح ، وتعجبت أكثر من بعض المسيحيين الذين فضلوا الصمت بعد الكارثة - كتعبيرٍ عن حزنهم الشديد - والعزلة خصوصاً عن اقرانهم المسلمين سواء فى العمل أو الجامعات وغيره كاصبع اتهام ٍ غير مباشر للاسلام والمسلمين .

لكنني أري أن فكرة ترديد كلمات " الوحدة " و" المواطنة " اليوم فى عام 2011 م علي انها اكتشافٌ مستحدث على ثقافتنا المصرية وعلاج للاحتقان الطائفي الحاصل ، انما هو موضع اتهام لنا بالانتكاسة الثقافية والقومية ترجع بنا إلي ما وراء تاريخ مصر ، كالماشيين خلف عقارب الساعة أو الزمن بكل بطء وخزي .

إن مصر كانت دائما وابداً هي الواقفة بعصا الوحدة .. كراع ٍ للزمن والتاريخ فى وجه كل من حاولوا اغتصاب حبة تراب واحدة من ارضها أو انتهاك شربة ماء - بغير حق - من نيلها .
تاريخ ٌ عريق يمتد لآلآف السنوات قبل أن تعرف هذه الارض الاديان بأكثر من 3200 عام قبل المسيحية وأكثر من 4000 عام قبل الاسلام ، واما عين هذا التاريخ تتربص القوي الخارجية بها لاي فرصة ضعف من غزوات لمدد قصيرة كمحاولات الآشوريين والفارسيين والحملات الصليبية والفرنسية ، وغزوات طالت مدتها كالهكسوس و فترات الحكم البطلمي والروماني والبيزنطي ثم الاحتلال البريطاني والاسرائيلي .... فما دخلها عدو الا منها قــُهر أو فيها قــُبر .

وعلي مر كل العصور تأكدت الوحدة الوطنية بها ، كما يقول جمال حمدان فى " شخصية مصر " : ( فان الوحدة الوطنية هي بلا ريب أبرز ملامح المجتمع السياسي الذي احتواه ذلك الوطن عبر العصور كقطعة من الانسانية ، ومن جماع الوحدة الطبيعية والوطنية بالدقة والضبط ، جاءت وحدة مصر السياسية .... من وحدة الاصل ، إلي وحدة اللغة ، إلي الوحدة السيكولوجية .... ) .

وان كنا اليوم نبحث عن المواطنة والوحدة الوطنية فأولي بنا أن نعرفها ونتعلمها من كتب التاريخ .. حيث عرفها شعب مصر مع بداية عهد الاسلام في مصر من عهد كتبه " عمرو بن العاص " – اخرجه الطبري – عهد من الله ورسوله : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أعطي عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان علي أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبهم فى برهم و بحرهم ، لايدخل عليهم شئ من ذلك ولا ينقص .... )

وفي القرن التاسع عشر .. ما حمله أصحاب البعثات الخارجية إلي مصر من الغرب الأوربي عن المواطنة وفكرها فى الفكر الغربي ومحاولات نشرها فى مصر مثل "رفاعة الطهطاوي (1801 – 1873 ) " الذي عاد من فرنسا بفكر ورؤية لتحديث للوطن كان لها شأنها الجليل فى تطوير العقل المصري .
وعام 1880 م .. حيث صدور " قانون القرعة العسكرية " الذي الزم كل مصري بالخدمة العسكرية دون تمييز ديني أو اجتماعي .
وعام 1885 م .. حين تألف جيش مصر من الفلاحين المسلمين والاقباط المسيحيين بعد الأعلان رسمياً بسقوط الجزية عنهم .
وفي عام 1866 م .. انشاء أول برلمان تعرفه التجربة المصرية البرلمانية باسم " مجلس شوري النواب " اشترك فيه المسلمون والأقباط بالانتخاب ـ النزيه طبعاً ـ .

ومن نص الحزب الوطني فى ( 4 نوفمبر عام 1879 م) : ( إن المسلمين و النصاري وجميع من يرث أرض مصر ويتكلم لغتها أخوان ، وحقوقهم فى السياسية والشرائع متساوية ... )
والثورة العرابية التي كان شعارها " مصر للمصريين " الشعار الذي امتد الي مصطفي كامل و ثورة 1919 م .. ثورة مصر هلالاً وصليباً .
ودستور 1923 م .. الذي نص علي ( المواطنين سواء أمام القانون بصرف النظر علي الاختلاف فى الدين والجنس واللغة والعرق .... ) .

هكذا ومنذ مئات السنوات وتاريخنا ما هو إلا لوحة شديدة البروز والالوان رسمتها ايدي الوحدة الوطنية ، وشكل تفاصيلها المصريون سواء كان المسلمون الذين وقفوا ضد الاتراك المسلمين مقابل حرية واستقلال بلادهم ، أو المسيحيون الذي وقفوا ضد الانجليز -الذين زعموا انهم هنا من اجل حمايتهم - حتي الجلاء ... والتاريخ قد يسجل لنا بكل وضوح شهادة ميلاد قديمة – كما تري – للمواطنة والوحدة ، فحب الوطن والانتماء الحقيقي كان دائما يجمعنا ويلم شملنا ويمزج دمائنا علي رمال الجبهات والتحرير ، إن شهدائنا وعلمائنا وفنانينا وكل من نفتخر فيهم لا يُعَرفون باسلامهم أو بمسيحيتهم وانما دائما يُعَرفون بمصريتهم ، ومصر .

ولك ان تسأل احدي الجدات فى اي بيت مصري " من سن السبعين مثلا ً " عن المسيحيين .. سترد عليك بالتأكيـد : ( آآآه تقصد القبط .. فاكرة جارنا فلان أو مرات الاستاذ علان كانوا أومرا وفي حالهم والنبي !! والست فلانة كانت زي العسل ومحترمة .. وفاكر أنت الـ..... ) بدون ما تدري تتلاحق الذكريات فى حكاياتها بدون أي تعصب او تعقيد .

أما اليوم فى عام 2011 م ، وبعد كل ما ذكرته نريد نشر فكرة المواطنة ، وأن نشيع ثقافة الوحدة بين شعبنا مخافة منظر وطعم الدماء التي يذيقها لنا كل من يتربص بأمننا وارضنا !!
لذلك أكرر اتهامي للجميع أمام التاريخ ، نحن بتخلفنا وانتكاسة ثقافتنا وهجرنا البين لهويتنا الحقيقية وقوميتنا جهزنا وقدمنا أفضل مادة للفتن قابلة للاشتعال فى كل شوارع وقلوب الوطن ليس فحسب بين المسلمين والمسيحيين ، ولكن أيضاً بين مشجعي الاهلي والزمالك وغيرهما ، بين الاحزاب وبعضها ،بين المعتصمين والحكومة ، بين المضربين واصحاب شركاتهم ، بين كل قائد سيارة لا يحترم القواعد ويقطع الطريق علي آخر ، بين أي فكرة وفكرة مخالفة لها ، بين كل رصيف والرصيف المقابل له .... هذا حالنا ودورنا هو الانتظاربين هذه الفتن لمن يرمي أي عود ثقاب علي قلوبنا ووحدتنا .
هي فتنٌ ربما صغيرة ، انما قد تزهق اراوحاً أوقد تشوه وطن .

أيها السادة لابد ان نستعيد قراءة هذا التاريخ العريق ،وأن تدخل كتب التاريخ كل بيت مصري نتعلمه ونعرفه .. كمصالحة له ولهويتنا ، ربما يعيد لنا وجهه من جديد ويعلمنا كيف كانت الوحدة وكيف يكون الوطن ؟! .
علينا أن نربي ذاتنا من جديد على حب الوطن " مصر " ، ومواطنة القلوب والعقول وتقبل الآخر كفرد فى اسرتك... أو مواطن فى وطنك .
وإن بلداً تتشبث بهويتها وقوميتها .. هي بلدٌ تعيش لآلآف السنين .
وإن الدين لله .. وان الوطن للجميع .

لكِ يا مصرُ السلامة .. وسلاماً يا بــلادي
إن رمي الدهرُ سهامه .. التقطيها بفؤادي

*
كريم بهي
13 يناير 2011 م